من الفرائض

طبيعةُ الرهبانيّةِ وغايتُها وروحانيّتُها

 مادّة 1: تنتسبُ الرهبانيّةُ الباسيليّةُ المخلّصيّة، حسب ما يُشير اسمُها، إلى القدّيس باسيليوس الكبير وإلى يسوعَ المسيح مخلّصِنا. وهي منظَّمة رهبانيّة في كنيسةِ الرومِ الملكيّين الكاثوليك، إكليريكيّةٌ، رسوليّةٌ، ذاتُ نذورٍ ثلاثة معادلةٍ لنذور الرهبان المتوحّدين، ذاتُ حياةٍ مشتركة، وتتمتّع بالحقّ الحَبريّ والعصمةِ البابويّة.
 

مادّة 2: § 1. إستجابةً لوصيّةِ يسوعَ المسيح مخلّصنا: “إذهبوا وتَلمذوا كلَّ الأمم” (مت 28: 19)، وأمانةً لوصيّة مؤسِّسنا الأخيرة، المطران أفتيميوس الصيفي السعيد الذكر، ومتابعةً للنهج الذي سلكَه آباؤنا في تكرُّسهم بطواعيّةٍ لخدمة كنيسةِ الروم الملكيّين الكاثوليك في الشرق وفي بلاد الانتشار، يكرِّسُ المخلّصيّون نفوسَهم بدافعِ المحبّة الكاملة في أُطُرِ الحياة المشتركة لخدمةِ الله والكنيسة، بممارسةِ أعمالٍ رعائيّةٍ ورسوليّةٍ مختلفة.

        § 2. تنفيذًا لما تقدّم، يَشملُ النشاطُ المخلّصيّ الأعمالَ التالية:

أ. العمل الرعائيّ: في خدمةِ الرعايا وتنشئةِ الكهنة.

ب. العمل الرسوليّ: في كلِّ ما يَمتّ بصلةٍ إلى تنميةِ الإنسان في أبعاده الروحيّةِ والخُلُقيّةِ والثقافيّةِ والاجتماعيّة وَفقَ روحِ الإنجيل، داخلَ البيوتِ الرهبانيّة وخارجَها.

ج. العمل المسكونيّ: بتنميةِ الحوار المسكونيّ للوصولِ إلى وَحدة الكنيسة، والانفتاحِ على الأديان الأخرى.

        § 3. تُعنَى الرهبانيّةُ بالتخطيطِ لهذه الأعمالِ وانتقائها وتكييفها والعملِ على تحقيقها، بوحيٍ من حاجاتِ الكنيسة وتعليمها، لا سيّما المجمع الفاتيكانيّ الثاني، حسبَ الإمكانيّات المتوفّرةِ لديها.

        § 4. لبلوغ هذا الهدف، تعتمدُ الرهبانيّة مبدأَ الحوار مع السلطة الكنسيّة.

مادّة 3: § 1. تَنهلُ الرهبانيّةُ المخلّصيّةُ روحانيّتَها من الاقتداء بالسيّدِ المسيح مخلّصِنا، الذي عاش آباؤنا سِرَّه بالمحبّةِ والغَيرةِ والتجرّدِ والصمتِ والتأمّلِ وروحِ الصلاة.

§ 2. وتتغذّى من تعاليمِ الوحي، كما تُفسّره، بوجه الخصوص، الكنيسةُ الشرقيّةُ في مؤلَّفاتِ آبائها، لا سيّما القدّيس باسيليوس الكبير، وكُتّابـِها الكنسيّين وليتورجيّتِها.

     § 3. وترى في الحفاظِ على هذا التقليدِ المسيحيِّ الشرقيّ، بروحٍ منفتح، أفضلَ سبيلٍ لإحياء روحِ  المؤسِّس وتقديسِ أبنائها والمؤمنين.

من أطروحة
الأب نضال جبلي المخلصي

 ترتكز الروحانيّة المخلّصيّة على قائمتين:

– الأولى هي موهبة وكارزما المؤسّس المطران أفتيموس الصيفيّ (+1723) والتي من خلالها يحدِّد هويّةَ الراهب الكاهن المخلّصيّ كما أرادها هو: فالمخلّصيّون هم رهبان مكرّسون بالنذور الرهبانيّة الثلاثة، يحيون حرّية الروح، غير مقيّدين ببعض التقاليد الحرفيّة، صادقين في العبادة، مكرَّسون بالكامل للرسالة، متمسّكون بتعاليم الإنجيل، ليحيوا “المثل الصالح”، ويأتوا بثمر لخير القريب، ولا سيّما الفقير.

مرسلون متشبّهون بالافخارستيّا (القربانة المقدّسة)، يقدّمون ذواتهم للمسيح الذي سبق فقدّم ذاته لأحبّائه، مستعدّون للتضحية بأنفسهم من أجله، فيتبادلون مع يسوع المسيح بذلَ الذات. مرسَلون مكرّسون ينمون في الفضائل الإلٰهيّة والأدبيّة، ويُجيدون التعليم المسيحيّ، ويملأون مكانهم داخل الكنيسة الملكيَّة الكاثوليكيّة.

عاش المخلّصيّون النجباء تلاميذُ أفتيموس الصيفيّ، عبر السنين، من دون تشريع خاصّ لحياتهم الرسوليّة، مخلصين، أمناء لموهبة المؤسّس الرسوليّة، كلٌّ بحسب وزناته. لذلك انتُخب البعض منهم بطاركة، وأساقفة، والبعض الآخر تميّز بالعلم وسعة المعرفة، وآخرون في تقديم الذات حتّى الاستشهاد (39 شهيدًا). كما تميّز بعضهم بالشهادة الحقّة إلى درجة اعتراف الآخرين بقداستهم. وجميعهم، على حدٍّ سواء، تميّزوا بروح الغَيرة الرسوليّة الكاثوليكيّة.

لقد ملأ سرّ التجلِّي فكرَ مؤسِّس الرهبانيّة المخلِّصيَّة، فجعل منه عيد دير المخلِّص (الدير الأُمّ لهٰذه الرهبانيّة)، وأراد أن يدخل الراهب المخلصيّ في هذا السرّ، ويتأمل به وبإيقونة التجلّي، ويردّد مع القدّيس بطرس: «حسنٌ لنا أن نكون هنا». حسنٌ للمخلِّصيِّين أن يقيموا في مدرسة التجلّي. في هذه المدرسة يتأمّل المخلّصيّ في نور وجه المسيح وعذوبة جماله، فيتحوّل هو نفسه، ويتجلّى بفضل عمل الروح القدس، ليصبح أكثر شَبَهًا بالمسيح. وفي التكرّس والرسالة راعيًا ومثلاً صالحًا لرعيّته ومبشّرًا وشاهدًا للمخلّص.

– القائمة الثانية هي تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة حول “الحياة المكرّسة”)1996): يدعونا هذا الإرشاد الرسوليّ، إلى الأمانة لكارزما المؤسّس، وإلى الحفاظ على صورة المكرَّس والمرسَل، على حدٍّ سواء. كما يستوحي إيقونة التجليّ نفسها رمزًا لحياة المكرَّس والمرسَل (كما اختارها أفتيموس الصيفيّ قبل ثلاثة قرون). ويقدّم لنا الإرشاد تعليمًا جديدًا حول “الوجود المتجلّي” الذي هو ثمرة عمل المسيح في نفس المخلّصيّ المدعوّ لكي يتجلىّ هو أيضًا بدوره على مثال معلّمه، في المحبّة والغَيرة الرسوليَّة.

 يشرح لنا الارشاد أهمية التأمل، الذي هو بحدّ ذاته تمرين روحيّ، يستطيع أن يحمل (المخلّصيّ) المتأمِّل ليصبح على مستوى كينونيّ أكثر شبهًا بالمسيح نفسه، وهذا هو ما تكلّم عنه آباء الكنيسة ودَعوه بـ “التألّه”. إذًا بواسطة التأمّل ينتقل المخلّصيّ من كونه مكرَّسًا، إلى صيرورته متألِّهًا (أكثر شبهًا بالسيد المسيح)، متّبعًا مسارًا روحيًّا مؤلَّفًا من ثلاث مراحل: المعرفة وطهارة القلب والحبّ المضحّي بنفسه.

بإمكاننا ملاحظة جدّةٍ خاصَّةٍ في هٰذا الإرشاد الرسوليّ وهو البعد الثالوثيّ الذي يتَّضِح خصوصًا في الحياة الأخويَّةِ التي تعكس الشراكة الثالوثيَّة.

يضعُ الإرشادُ الرسوليّ، في هٰذا المنظار، الرسالة كنتيجةٍ للكيانِ المكرَّس، بل التكريسُ هو أوَّلُ تجلِّيات الرسالة. وإذا كان التكرُّسُ ينبعُ من محبَّةِ الله، فالرسالة تنبعُ من محبَّةِ القريب وخصوصًا الفقير. في جدليَّةٍ من المحبّة-الخدمة، والخدمة-المحبّة.

    في الختام، تنتج ضرورةُ البحثِ المعمَّقِ للبُعدِ الرسوليّ الرعويّ الذي يستشرف الألفيَّةِ الثالثة، معتبرًا التأمل أولى خطواتها، وضرورة إعادة الاعتبار إلى الروحانيَّةِ الشرقيّة، حتّى نتمكَّن من إنشاء مدرسة «لمنهج التأمُّل» بحسب المنظور الروحيّ الشرقيّ، فنتبنّى مثلاً مفاهيم آبائنا القدّيسين غريغوريوس النيصيّ، ومكسيموس المعترف، وأفرام السريانيّ، وقدّيسين آخرين، ونقوم بتعميم رياضاتٍ روحيّة تتركَّزُ على التأمّل في حدث التجلّي، ونتمرّس في صلاة القلب (كتراث شرقيّ)، ونتعلّم التأمل في الإيقونات… إلخ. وصولاً إلى بلورةِ منهجٍ للرسالة وإلى إشعاعٍ رسوليّ.